Tuesday, December 25, 2007

طبائع الاستعباد

المتأمل لواقع مصر المعاصرة يجد أن ثمة تشابها بين أمراض المجتمع في كل فئاته. فما تنقمه أو ترفضه جماعة أو مجموعة أو اشخاص في فئة أو شخص مقابل لها، نجد أنها تحمل (أو يحمل) في بنيته الفكرية والنفسية نفس الأمراض التي يشكو من تواجدها في الطرف الأخر. بحيث بات الأمر تماما مثل الأواني المستطرقة حيث ينتقل السائل من الإناء إلى الذي يليه حتى يستوى الجميع في مستوى أفقي واحد دون أن يعلو أحدهما على الأخر.

وللتبسيط نقول إن ملف التوريث مثلا الشائع في مصر والذي يرفضه القاصي والداني باعتباره أحد تجليات الفساد والاستبداد، نجد أنه ينتشر ويتغلغل وبقوة في كافة مؤسسات المجتمع، ففي كليات الطب من المعلوم في الدين بالضرورة هناك أن أبناء الدكاتره مبدئيا حجزوا مقعدهم في فئة المعيدين، وفي كلية الصيدلة و الهندسة والحقوق والأداب أيضا بغض النظر عن تميزهم أو تفوقهم على أقرانهم، وقد عاصرت أنا هذا الأمر شخصيا في كلية الآداب حيث أن ابنة رئيس القسم حملت لقب معيدة منذ السنة الأولى بعد حصولها على تقدير الجيد جدا في كل المواد رغم أن مستواها الحقيقي كان عادي جدا، لكنها للأسف طبائع الاستعباد التي تجعل جراثيم التخلف والقهر تنتقل وبصفة متصلة ومباشرة من الأعلى فالأدنى بحيث تصدر كل طبقة وفئة أمراضها للطبقة السفلي، فتجد أن المعاناة تشمل الجميع كما أن الأمراض تطال الجميع أيضا.
فالرئيس والسلطة السياسية يمارس عليها من أعلى القهر والاستعباد من قبل بعض الأطراف الدولية التي تقاطعت مصالحها مع مصلحة النظام ومن ثم فهي تغض الطرف عن ممارساته القمعية مقابل رضوخ الأخير والقبول بأجندتها وفتح الطريق أمام استثماراتها ومشاريعها السياسية والاقتصادية.

هذه السلطة المُستَعبدة تأبى إلا أن تقوم هي الأخرى بتصدير هذا الاستعباد إلى الفئة الأدنى منها وهي الشعب بكل مكوناته بطبيعة الحال، فتجدها تفرض أجندتها السلطوية على ما دونها وهو الأمر الذي يتم التعبير عنه من الوزير فاللواء إلى الشرطي فالسائق فالمواطن فالزوجة فالأبن وهكذا دواليك بحيث تمارس كل فئات الشعب الاستبداد بكل فنونه وتعاني في الوقت ذاته من الاستعباد بكل شروره.

الكلام السابق ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين التي تبدو حقيقة في اللحظة الراهنة التكوين الاجتماعي والسياسي الوحيد المنظم على الساحة المصرية والقادر وحده على القيام بعملية التغير المرجوه، غير أن التنظيم وللأسف ورث معظم الظواهر السلبية في المجتمع بحث باتت الجماعة جزءا من المشكلة والحل مع الاعتذار لشعار الاسلام هو الحل.

ويكفي أن أشير هنا إلى برنامج الاخوان الأخير الذي لن أقوم بنقده حتى انتهى من قراءته، ولكن فقط لدي تحفظ واحد يرتبط بمنظومة التخلف والاستبداد السابقة التي عرفت طريقها للجماعة التي لم تقم بعرض برنامجها على شبابها الذين يمثلون قاعدتها العامة والعريضة بحيث اقتصرت أحاديث البرنامج على النخبة الاخوانية التي يمثلها العريان وأبو الفتوح وحبيب، فيما غُيبت الطبقات العريضة من الجماعة في انتظار النسخة النهائية التي سيتم هضمها تماما مثل رسائل الشهيد حسن البنا دون أن يصيب أحدهم تلبك معوي من الفقرة الخاصة بوصول الاقباط للسلطة، أو تظهر على آخر أعراض الصداع إذا ما سمع أن الجماعة تنادي بعرض قوانين الدولة على شيوخ الأزهر تماما مثلما يحدث الآن عند ملالي إيران..
المثير للدهشة هنا أن هذه الجماعة التي تعيب مثلا على شباب الحزب الوطني الحاكم في مصر أنه يتم شحنهم في اتوبيسات خاصة مقابل اجور من أجل التصويت في الانتخابات البرلمانية والمحلية، أقول أن هذه الجماعة التي تعيب مثل هذا التصرف ، تمارسه أيضا مع شبابها، فلا فرق في الحالتين بين شباب يصوت من أجل 20 جنيها وأخر يصوت من أجل قصور الجنة في الأخرة.
فبغض النظر عن الصلاح والقبول المتوفرة نظريا في الفريق الثاني والغائبة بالطبع عن الفريق الأول فإن المنظومة هي المنظومة ففي كل الفريقين يغيب الوعي والعقل لصالح إما الجيب والبطن (20 جنيها) أو النفس المطمئنة على حسن اختيار قادة الجماعة.غير أنه فيما يتصل بالاخوان فإن الخطر في ظني أهم حيث أن عامل الحزب الوطني الفقير لا يهمه سوى 20 جنيها يسد بها رمقه هو أمر وإن كان محرم شرعا غير أن خطورته الاجتماعية لا تقارن بشاب يحمل روحه بين ذراعية ومستعد للدفاع عن منظومه فكرية هو في الأساس غير واعي أو مشارك في صياغتها.

هذا الشباب الذي وإن كانت قد توفرت له قيادة واعية في تلك اللحظة قادرة على ضبطه، فماذا يكون الأمر لو وصلت إلى سدة القيادة الإخوانية قيادة أخرى لديها أجندتها الخاصة أو غير واعية بتطورات الأوضاع في المنطقة؟
كيف ستتولد القدرة لدى هؤلاء الشباب على ضبطها إن لم يتعود هو في الأساس على ممارسة النقد الذاتي والموضوعي لفكر وبرامج الحركة، وهنا نقطة لبس أخرى تتعلق بمنهجية الحركة في تعاملها مع أبناءها حيث أن طرح برنامجا حزبيا يختلف بالضرورة عن إنشاء جمعية دينية التي قامت على أساسها الحركة في عام 1928.
فالجمعية الدعوية لا تحتاج إلى تفاصيل أو جدل نظري بقدر ما تتطلب من أصحباها الايمان بالفكرة والتضحية بالمال والجهد في سبيل خطوط عريضة مثل محاربة المنكرات والسعي لأن تكون كلمة الله هي العليا مثلا، أما فيما يتعلق بالبرنامج الحزبي الذي يفترض أن ينضوي تحت لواءه شباب الحركة فهو تجربة وملمح جديد يختلف جذريا عن أصول الحركة خاصة فيما يتصل بالموقف من الدولة المدنية والتعددية والاقليات والموقف من الأخر (الغربي ، الصهيوني ، الشيوعي، العلماني ) وغيرها من القضايا الأخرى التي وإن كانت تحتفظ ببعض الإشارات في أدبيات الحركة إلا أنها أشارت عامة لم يتم تفصيلها كما يتجلى ذلك في البرنامج الذي طرحته الحركة مؤخرا.
وهو الأمر الذي يتطلب في ظني الوعي بأن آلية الخطاب في الإطار الحزبي تختلف بشكل كبير عن أليته في الخطاب الدعوي، وإذا كانت الجماعة في مرحلة انتقال من العمل الدعوي إلى عمل حزبي ذو مرجعية دينية، فإن هذا التحول يحتاج إلى وعي جديد وفكر جديد يسعى في الأساس إلى تهيئة شباب الحركة إلى طبيعة النقلة النوعية التي ينتظر لها أن تتم في حال اتساع هامش الحرية السياسية في البلد وهو أمر وإن كان مستبعد الآن إلا أن الحركات والجماعات التي تبني استراتيجيتها وخططتها المستقبلية لا تظل حبيسة اللحظة الراهنة ولكنها تكون دوما مهمومه بأزمات المستقبل وتطوراته.
هذه الألية يجب أن تتجاوز بكائيات التضييق الأمني، وتسلط النخبة الحاكمة، التي وإن كانت موجودة فعلا ويشهد بها الواقع المتردي الذي يحياه الوطن بكل فئاته إلا أن هناك هامش من الحركة تتمتع به الجماعة، هذا الهامش يسمح على الاقل بتلك اللقاءات الشهرية والأسبوعية التي تجري بين شباب الاخوان وقياداتهم والتي كان من الممكن أن تشهد مثلا استطلاعات للرأي حول موقف أبناء الحركة من البرنامج الذي يفترض له أن تكون هناك نسخة أولية منه بين أيدى أبناءها، وإذا كان هذا الأمر متعذرا فعلى الأقل كان من الممكن أن يتم أخذ أراءهم في المواقف الخلافية حول قضايا المرأة والأقباط التي اقتصر الشد والجذب فيها على مجموعتي عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح في مقابل محمد حبيب ومحمد مرسي، حيث أن حالة الجدل هذه من شأنها نقل الحراك من النخبة الحيوية إلى القاعدة المهمشة والجامدة

No comments: