Tuesday, December 25, 2007

أوراق منسية

هل هي حالة إفلاس، أم عجز عن الإبداع، أم حالة ثبات وركود، أم ضيق بكل ما هو كائن وموجود .. معاني كثيرة انسابت في مخيلتي عندما شرعتُ في كتابة هذا المقال ووجدتي مدفوعًا بشدة للبحث عن موضوع مقالي الجديد بين أوراقي المنسية في مفكرتي الخاصة..أوراقي القديمة أقرب للخواطر اليومية مؤرخة باليوم والسنة، لا تتعدى في حجمها السطرين أو الثلاثة، صيغت بلغة الشفرة التلغرافية، وذلك توفيرًا للوقت والمجهود وربما... "الخصوصية
في رحلة البحث عن المقال الجديد بين أوراقي؛ كنتُ مشدودًا لفكرة أساسية ألا وهي علاقة الإبداع بالقلق، وعلاقة الجمال بالحضارة.. وكنت حقيقة محظوظًا بأني وجدت في تلك الأوراق ما يمكن أن يكون مشروعًا للمقال الجديد.في 29 يناير 2000 سجلت مفكرتي "الأمم مثل الأشخاص تمامًا تتأخر عندما تتوقف حالة الصراع بداخلها، وتتنتعش جذوتها كلما ارتفعت وتيرة القلق، حيث إن الإبداع يخرج دومًا من رحم الألم والمعاناة".
قلبتُ مزيدًا من الأوراق فوجدتُ أنّ يوم الخميس 20 مايو 2004 احتفظ بهذه المقولة: "الحياد من صفات الجماد، وليس من صفات الإنسان الذي يتسم بالفاعلية فالإنسان المتصف بالفاعلية يعيش دومًا حالة صراع بين الطموح والرغبة وبين الواقع المعاش، هذ الصراع يقوده إلى الإبداع شريطة توافر رؤية ثقافية تعيد تشكيل وصياغة واقعه المادي أو النفسي بحيث يتحول مكمن المأساة والألم إلى منصة الإبداع".
ِوجدتني في هذه اللحظة مدفوعًا بالبحث في تلك الأوراق عن سؤال ألحّ على عقلي في تلك اللحظة: هل كل الإنسان قادرًا على تحويل مكمن الألم والمأساة إلى حالة إبداعية حقيقة ..؟كم كنتُ سعيدًا عندما وجدت بعضًا من الإجابة في ورقة غير المؤرخة هذه المرة حيث كتبت بالحرف الواحد " في الأمم المتحضرة تكون هناك رؤيا ثقافية تسبق كل أزمة حضارية" .. "وفي الأمم المتقدمة يكون هناك دومًا وعي مسبق بمكمن المأساة في التاريخ لهذا يكون كتابها سباقين قبل الأغراب إلى الإعلان عن الأزمة الحضارية لدولهم دون انتظار الأخر المتربص".
هذا الأمر ينسحب أيضًا على الفرد حيث إن وعي الإنسان لذاته ومشاكله وهمومه أو بمعنى أدق الوعي المسبق بمكمن المأساة أو الألم وكيفية قراءته سواء على المستوى الفردي أو الجمعي هو الركيزة الأساسية في خروج حالة الإبداع من رحم المعاناة والألم.. والتي يتسبب غيابها (أي الوعي المسبق بمكمن الألم والمأساة) في خروج جنين مشوه يعيد إنتاج المأساة من جديد وتلك الحالة الأخيرة تخلق ثباتًا وقنوعًا بما يجري
..هذا الأمر كنت قد أشارت إليه في المقالين السابقين "كلام في الحب" و" ثلاثة الحب والألم والموت" .. اللذين كانا يدورا في الأساس حول علاقة الإبداع بالجمال بالحب وكيف يمكن أن نربي أبناءنا على الوعي المسبق بأزمات القلب والعقل واخترت وقتها " حالة الحب الرومانسي" نموذجًا لهذا الكلام.
وكانت وجهة نظري أنّ الحب كحالة عاطفية تخلع على صاحبها رؤية جمالية للأشياء هذه الرؤية تعد ركيزة أساسية لأي حضارة إنسانية، أشار لهذا المفكر مالك بن نبي، إلا أنّ أوراقنا المنسية ذكرتنا أيضًا بمقولات كتبها فلاسفة عرب وأمريكان والتي تتمحور في الأساس حول العلاقة المشروعة بين هذه الثلاثية الحب والجمال والحضارة.
أنَّى لقلب حبيب كان يؤنسني
أن يصبح اليوم سكيناً يمزقني
ليس الفراق فراق الأهل والوطن
إن الفراق فراق النوم والوسن
عشقت قبلك لكن كان لي فَنَني
وكان عشقك خاتمتي من الفتن
في 22 يوليو 1999 سجلت في أوراقي ... "العلاقة بين الحب والجمال أن المحب يرى محبوبه في حالة الجمال المطلق فهو ليس جميلاً في جهة وقبيحا في جهة أخرى ، وليس جميلاً في وقت وقبيحًا في وقت آخر فهو ليس حبًا بحسب الظروف وجمالاً حسب الظروف".هذا الجمال المطلق يخلق جوًا روحانيًا غير عادي حيث " تبدو الروح أمام رؤيتها لجمال المحب وكأنها قد تحرّرت من روابط الجسد، فهي تقطع المسافات الشاسعة بيسر، كما أنّ توهم الروح بأنها قد تحررت من الجسد يعد مصدر نشوة كبرى، حيث إن الانغماس في الجسد والتقيد في حدود الأعضاء يخلعان على الوعي احساسًا بالأنانية والغلظة".
الجمال المطلق والحب المطلق، لا ينزعان صاحبهما من أعرف الأرض وقوانين السماء، بل إن "العلاقة بين المحب والمحبوب أقرب إلى علاقة الشاعر بالقصيدة، فهو مبدع دومًا منطلق دومًا هائم دومًا محب دومًا ولكنه مقيّد أيضًا بالوزن والبحر والقافية".

No comments: