Tuesday, August 14, 2007

حلمك يا شيخ سالم

في الساعة الحادية عشرة مساءا بتوقيت القاهرة كنت متأهبا لسماع نشرة أخبار الجزيرة القطرية والتي كانت مخصصة للمشهد اللبناني الذي توزعت مفرداته بين قتل، ودمر، وخرب، ... الخ .
أصابتني حالة من الضجر والسأم ، ففضلت أن أؤوي إلى الفراش، لعلي أنسى هذا الهم أو ينساني هو .. ودخلت في سبات عميق ورأيت ثم رأيت :
" كأنني مع بعض زملائي متوجهين إلى نادي الجزيرة للعب كرة القدم على ملاعبه الخضراء الواسعة، وكانت الرحلة الليلية إلى المعلب تتميز بجو عال من المرح والملاطفة .. حتى إذا ما دخلنا إلى الملعب استأذنت الشباب في الذهاب إلى دورة المياه التي تلاصق مكاتب الإدارة هناك .. وبعد أن قضيت حاجتي شرعت في العودة مرة ثانية حتى لا تفوتني متعة اللعب مع الزملاء..
ولكن !! تغير المشهد فجأة وأنقلب رأسا على عقب !!!
فالمكان الذي كان يعج بالمرح والضوضاء أصابته سكته دماغية، وانطفأت الأضواء التي تخطف الإبصار .. ارتجفت وفزعت وتساءلت أين الشباب .. أين رواد المعلب الذين كانوا متواجدين منذ دقائق معدودات ..
وبينما سيل الأسئلة يدور في عقلي كما يدور شريط الأخبار في قناة الجزيرة .. كانت هناك مفاجأة أخرى في انتظاري .. فبعد أن خطوت ببصري إلى الأمام رأيت الملاعب وقد تحولت إلى شواهد قبور تماثل مقابر قريتنا في منطقة أبو رواش أو شواهد القبور في الإمام الشافعي..
تسمرت قدمي ورفضت الانصياع إلى الأوامر المتتالية الصادرة من العقل بالهروب أو الخروج من هذا المكان المخيف الموحش بظلمة الليل وصمت القبور..
بعد طول انتظار دامت ما يقرب من الخمس ثوان كانت بعمر الخمس سنوات تحركت بين القبور ليس للبحث عن حقيقة ما حدث ولكن للخروج إلى أي مكان آمن ..
بعد رحلة جري وخوف وفزع وجدت أخيرا طريقا موازيا للقبور ، وكأنه يتوسط أرض زراعية من جانب والمقابر من جانب آخر ..
وبينما أعيد طرح السؤال حول حقيقة ما جرى، ظهر لي إنسان ائلف وجهه غير أني لا أميزه .. كانت هيئته غريبة ، فوجهه مثلا كان يابسا جافا ـ خطر لي في المنام أنه يشبه الحطب ـ وبدا من وجهه أنه لم يكن أقل ذعرا مني .
فحاولت أن ألاطفه فعرضت عليه سيجارة ليدخنها ـ رغم أني في الأصل لا أدخن ـ وما إن رأى عود الثقاب والسيجارة في يدي فزع وابتعد عني قائلا ..
الم تلاحظ وجهي قد يبس مثل الحطب
أتريد أن أصلى نارا مثل أبي لهب
أطفأت عود الثقاب وأدخلت سيجارتي في جيبي .. ونسيت هم النادي وهم القبور وسألته ما قصتك يا رجل؟؟ أحكي لي لعلي أزيح عنك ما أنت فيه من هم وتعب؟؟
قال لي قبل أن أسرد لك قصتي .. هلا ابتعدت ثلاث خطوات للوراء سألته وأنا أرجع للخلف .. لماذا ؟؟
حينها كانت الإجابة قد تكشفت لي
وجه يابس
جسم ضعيف يعلو ساقين طويلتين
سألته .. بعد أن اقتربت منه ثانية.. ما الذي حولك يا أخي
إلى تيس أو حمار ينقصه طول الذنب ؟؟
لا اعرف ما الذي جرأني عليه في هذا الوقت ..
قال لي : سأروي لك الحقيقة .. فاليوم حساب بلا عمل .
تكشفت الآن أنني في عالم آخر .. بالتأكيد ليس عالم الدنيا
قلت له احكي يا من اعرفه ولا اعرفه
قال : كنت أحد السادة والعظماء ذلك الزمن
أي زمن ؟
زمنك .. زمن الهوان والذل والندم
سيقت لنا الدنيا فكنزنا وأكلنا
غير أن بطوننا لم تشبع من كثرة النهم
قلت له : عادي .. كل الحكام كذلك
صاح : انتظر ولا تقاطعني
قلت له: حاضر
قال : لا أعرف هل أراد الله ان يمتحننا بأن جعلنا ملوكا
في زمن الندم
أم أن عصور العدل لفظتنا، فلم يقبلنا غير ذلك الزمن
لنحكم في الناس .. ونسوقهم مثل الغنم
قلت له : ولماذا رضي الناس بأخلاق القطيع والغنم
قال : كنا نسوق إليهم أفكارنا وحكمتنا
في كؤوس ظاهرها العدل والكرم
غير أنها كانت ملئ بمكر الذئب لقطيع الغنم
كنا نتجلى في صورة صلاح الدين محرر القدس
أو قطز .. قاهر المغول
غير أن سيوفنا كانت قبضتها من ذهب
ونصلها من خشب
كنا نتحاشى لقاء أعداءنا
ونسوق إلى شعوبنا مفردات الحكمة
وضرورة اللجوء إلى طاولة مجلس الأمم
ونصور لهم بأن الأمر نصر
أنقذهم من ويلات الحرب والألمهذا ..
فضلا عما ينتظرهم من أنهار العسل واللبن
وهل صدقوك ؟؟
ضاحكا .. ساخرا
بالطبع !!
كانت خديعتنا
تجد طريقها بين عقول مزجت أفكارها
بأخلاق البطون
وضمائر وزنت الحقيقة بميزان الحبوب
وكيف صارت الأمور .. ؟
قال بصوت ممزوج بخيبة أمل ..
هي ما تراه الآن ..
تحولت ملاعبنا
إلى مقابر جماعية
ورؤس رجالنا
إلى كرة تتلاقفها أقدام الجيوش الأجنبية
والأراضي الزراعية
باتت تلاصق شواهد القبور
كأنها تنادي .. من يفلحها أو يزرعها
وسمعت آنذاك صدى صوت تحمله رياح الخيبة يقول
لا مجيب .. لا مجيب "---استيقظت قبيل الفجر .. وبدأت في تدوين الرؤية .. التي رويتها لأمي عند الصبح فنصحتني بإرسالها للشيخ سالم أبو الفتوح في "قناة الناس" رائدة الإعلام الديني في بلدنا ..
قلت لها : لا اسمع عنه
قلت لي : يا بني ده راجل ملئ السمع والبصر .. كل يوم تلاقيه في قناة الناس ما شاء الله يتلقى أحلام الناس ، ويفسرها بما تعجز عن فهمه عقول البشر.
وبينما أتساءل مع نفسي هل انتهى الناس من تفسير وفهم واقعهم حتى باتوا منشغلين بتفسير رؤياهم . كنت أتلقى ثانية صدى الصوت الذي كان في أخر الحلم " لا مجيب .. لا مجيب".

No comments: