Wednesday, September 12, 2007

المقدس والمدنس في الفكر الغربي

هل ثمة تناقض في القيم والأيدلوجيات الغربية التي تنتصر دائماً لحرية الرأي إذا كان هذا الرأي موجهاً ضد الإسلام مثل تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة التي ذكر فيها أن " الإسلام لم يأت إلا بما هو سيئ وغير إنساني" ، في الوقت الذي لا يتسع صدر هذه القيم لأي منتقد للدولة الصهيونية أو ينكر حقيقة محارق اليهود "الهولوكوست".تساؤل مشروع يتطلب إجابة موضوعية تنطلق من فهم "الآخر" كما هو، وليس كما نتمناه، إجابة تنطلق من فهم رؤية الإنسان الغربي "للحرية" و"الإنسان"، و"الإسلام" و"المقدس"، ثم تنتقل بعد ذلك إلى تطبيقات هذا التصور على الفعل السياسي الغربي خاصة فيما يتعلق بالقضايا العربية والإسلامية.
الحرية وفق المفهوم الغربي
يمكن فهم الحرية وفق المنطق الغربي على أساس حرية الاختيار الفردي، والتعبير عن هذا الرأي، هذه الرؤية تستند على قيمة معرفية غربية أخرى خاصة بنظرتها للإنسان، فالإنسان الأوروبي دون ما عداه من البشر يتميز بصفات وخصائص عرقية وحضارية "مسيحية " تجعله أعلى وأكثر تميزاً من بقية البشر، وهو الأمر الذي تم تعبير عنه تحت نظرية "السوبرمان" أو الإنسان الأعلى التي خطها الفيلسوف الألماني نيتشه، والتي تجد لها أصلاً في أفكار أوروبا العصور الوسطى حول النبيل الذي لا يسقط لفساد أخلاقه، وضعف بأسه، أو جبن فؤاده، فهو يرث النبالة بالدم الأزرق أي بالتربية الخاصة.أما فيما يخص بالمقدس والمدنس فإن أوروبا القرن السادس عشر والسابع عشر غيرت مفاهيمها كلية فيما يخص بكلمة " المقدس" فتحت تأثير الحركة " اللوثرية" الدينية التي قادها القديس مارتن لوثر في ألمانيا وما أتبعها من حركة فلسفية نشطة في هولندا وبريطانيا قادها جون لوك وسبينوزا بدأت أوروبا في إعادة صياغة مفهومها للـ"مقدس" الذي كان يشير آنذاك للتوراة والأنجيل، ولكنه بفعل حركة التصحيح هذه تم تفكيك عبارات وأيات العهد القديم والجديد وإعادة قراءتها وفق ما يقضيه العقل الذي صار هو وحده " مقدسا".
أما نظرة الغرب للإسلام فيمكن تلمساها في الأدبيات الغربية التي تصور النبي - صلى الله عليه وسلم - على اعتباره "قس كاثوليكي" فاشل، أو "راعي جمال تلقى تعليمه على يد راهب سوري" ليشكل ديناً جديداً من "قشور العقيدتين المسيحية واليهودية"، أو هو "إرهابي متعطش للدماء" على حد وصف القس الأمريكي "بات روبرتسون".فهم الغرب لذاته وأفكاره ومقدساته والإسلام تجلى في فعله السياسي، حيث كانت الهجمات الاستعمارية في أوئل القرن الثامن عشر والتاسع عشر مجرد مساعي غربية حميدة يقوم بها الرجل الأبيض النبيل من أجل نشر قيمه الحضارية لدى الأمم والشعوب الأقل منزلة ومن ثم الأقل رقيا.وباسم الحرية قامت صحيفة "جيلاندز بوسطن الدنمركية" في عددها الصادر بتاريخ 20 - 9 - 2005 بنشر نحو اثنا عشر (12) صورة كاريكاتيرية تسخر من نبي الإسلام ( محمد - صلى الله عليه وسلم -).
وعلى جسد الحرية تم اعتقال صحفي قناة الجزيرة القطرية تيسير علوني الذي غطى بحرفية إعلامية متميزة العدوان الأمريكي على أفغانستان.وعلى الطريقة نفسها يمكن فهم تعذيب المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب على يد قوات الاحتلال الأمريكي، فقد نشر الصحفي البريطاني روبرت فيسك مقالاً في صحيفة "الاندبندنت" جاء فيه: "إن ما حدث للسجناء العراقيين جزء من ثقافة ترجع جذورها إلى أيام الحروب الصليبية، ثقافة ترى أن المسلم شخص قذر وفاجر، وحاقد على المسيحية، وغير جدير بأي عطف إنساني".في المقابل ضاقت الحرية الأوروبية وجن جنونها عندما صرح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في 9 - 12 - 2005 أن" محرقة اليهود خرافة لا أساس، وأكذوبة كبرى".حيث أن النظرة الأوروبية التي تجاوزت اليهود من أمة منبوذة مستباحة إلى طائفة لها حضورها وقدسيتها في التاريخ الأوروبي، جاءت مع حركة الإصلاح الديني التي قادها القسيس الألماني مارتن لوثر، والتي أعاد فيها قراءة المسيحية، وجعل للعهد القديم "التوراة" أهمية أكبر من العهد الجديد "الإنجيل".تمجيد لوثر للعهد القديم وثناؤه على دور اليهود صاحبه أيضاً هجوم على الإسلام باعتباره "حركة عنيفة تخدم أعداء المسيح لا يمكن جلبها للمسيحية لأنها مغلقة أمام المنطق، ولكن يمكن فقط مقاومتها بالسيف" على حد قول لوثر.
من ليس معنا فهو ضدنا
تنظر الحضارة الغربية بنموذجها الرأسمالي لنفسها باعتبارها " نهاية التاريخ" على حد وصف فرانسيس فوكوياما، وما يترتب على ذلك من حتمية إعادة تشكيل العالم وفق الأطر الثقافية الغربية، حتى ولو اضطرت هذه الحضارة إلى إشهار سلاحها العسكري والسياسي والاقتصادي ضد الدول المارقة التي تعادي تلك المنظومة الحضارية الغربية "صدام الحضارات".وبما أن الإسلام ( وليس المسلمين) يعد الآن - بعد القضاء على الشيوعية - بما يملكه من مقومات ثقافية وحضارية؛ الخطر الأكبر الذي يواجه قيم العولمة التي تسعى الدول الغربية لتسويقها، فإنه يجب القضاء عليه أو على الأقل تدجينه.هذه هي النظرة الغربية للإسلام كقيمة حضارية، والتي يمكن من خلالها فهم الفعل السياسي الغربي بعيداً عن نظرية " الكيل بمكيالين"، أو" ازدواجية المعايير"؛ فالغرب المنسجم مع ذاته وجد في انتشار الإسلام في البلدان الأوروبية خطراً يهدد علمانيتها التي تعد ركيزة الحضارة الغربية، ومن ثم فقد كان لزاماً وجود رد فعل سياسي لمواجهة هذا الخطر، والتي تمثلت في قرار الحكومة الفرنسية في مارس 2004 بحظر الحجاب في المدارس الحكومية باعتباره رمزاً دينياً يمثل القهر، مع السماح للراهبات بارتداء غطاء للرأس باعتباره لا يمثل رمزاً دينياً ولكنه فقط مجرد زي مهني!!.هذه الرؤية تفسر أيضاً لماذا فرضت ولاية "بادن فورتمبرغ" الألمانية على المسلمين فقط المتقدمين للحصول على الجنسية الألمانية "اختبار الولاء"، والذي يتم من خلال سؤال المسلمين عن رأيهم في دور المرأة، والشذوذ الجنسي، وذلك لتحديد إن كان لديهم ولاء، وان كانوا يصلحون للعيش في ألمانيا، والحصول على جنسيتها أم لا، أو بمعنى أدق هل لديهم الرغبة في الذوبان في المحيط الثقافي الغربي؟!التهديد الذي يمثله الإسلام للقيم الحضارية الغربية صاحبه أيضاً ضعف ووهن الشخصية الغربية التي كانت تستمد مقوماتها الاستعلائية من " النقاء العرقي" و"المسيحية"، حيث تم تفريغ الأخيرة لصالح قيم "الحداثة"، ومن ثم فإن الدول الغربية وفي إطار إعادة صورة المسيحي المثالية لنفسه قامت بتشويه صورة المسلمين أسلوباً لتقوية صورتهم الذاتية عن أنفسهم، وبناء ثقتهم في مواجهة عدو أكثر قوة وتحضراً؛ وذلك على حد تعبير ديفيد بلانكس ومايكل فراستو في مقدمة كتابهما "رؤية الغرب للإسلام في العصور الوسطى" الصادر في عام 1999، وبحسب هذه الرؤية يمكن تفسير الأسباب التي دعت أقطاب اليمين المسيحي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى شن هجوم عنيف ضد الإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما أشاد الرئيس الأمريكي جورج بوش بالإسلام باعتباره دين سلام بحسب تعبيره، وذلك أثناء عدوانه ضد أفغانستان والعراق، حيث انبرى القس النصراني الأمريكي "بات روبرتسون" الذي يعد أحد أقطاب اليمين المسيحي رداً على تصريحات بوش قائلاً: " إن من وصفهم بالإرهابيين لا "يحرفون الإسلام!! إنهم يطبقون ما في الإسلام".وأخيراً بعد هذه الرؤية هل يمكن أن نعتبر ثمة تناقضاً في الفعل السياسي الغربي الذي يؤيد الصهاينة ويدين حماس، ويهين النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقدس الهولوكوست، أم أن هذا الفعل السياسي منسجم تماماً مع ما يؤمن به الغرب من قيم وأفكار؟!

No comments: